كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وإن اختلفا في المعنى، ويحتمل أن يكون نهيًا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم لأن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه، ومن في منكم على الوجه الأول للتبعيض وعلى الأخيرين للتبيين وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم أقبح من غيركم.
{واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب}.
{واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ في الأرض} أرض مكة يستضعفكم قريش، والخطاب للمهاجرين. وقيل للعرب كافة فإنهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والروم.
{تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس} كفار قريش أو من عداهم فإنهم كانوا جميعًا معادين لهم مضادين لهم.
{فَآوَاكُمْ} إلى المدينة، أو جعل لكم مأوى تتحصنون به عن أعاديكم.
{وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} على الكفار أو بمظاهرة الأنصار، أو بإمداد الملائكة يوم بدر.
{وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} من الغنائم.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} هذه النعم.
{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول} بتعطيل الفرائض والسنن، أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون، أو بالغلول في المغانم. وروي: أنه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة، فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام، فأبى إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحًا لهم لأن عياله وماله في أيديهم، فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ، فأشار إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت. فشد نفسه على سارية في المسجد وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب الله علي، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيًا عليه، ثم تاب الله عليه فقيل له: قد تيب عليك فحل نفسك فقال: لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي فقال عليه الصلاة والسلام: «يجزيك الثلث أن تتصدق به» وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام، واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إي. اهـ.
{وَتَخُونُواْ أماناتكم} فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو.
{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنكم تخونون، أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح.
{واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} لأنهم سبب الوقوع في الإِثم أو العقاب، أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة.
{وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرًا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين، أو مخرجًا من الشبهات، أو نجاة عما تحذرون في الدارين، أو ظهورًا يشهر أمركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح.
{وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} ويسترها.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بالتجاوز والعفو عنكم. وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر. وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم.
{والله ذُو الفضل العظيم} تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان، وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده إنعامًا على عمل.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ} تذكار لما مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه. من مكرهم واستيلائه عليهم، والمعنى واذكر إذ يمكرون بك.
{لِيُثْبِتُوكَ} بالوثاق أو الحبس، أو الإِثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح، وقرئ {لِيُثْبِتُوكَ} بالتشديد {وليبيتوك} من البيات وليقيدوك.
{أَوْ يَقْتُلُوكَ} بسيوفهم.
{أَوْ يُخْرِجُوكَ} من مكة، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال: أنا من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيًا ونصحًا فقال أبو البحتري: رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت، فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع، فقال بئس الرأي يفسد قومًا غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلامًا وتعطوه سيفًا صارمًا فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإذا طلبوا العقل عقلناه.
فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريل النبي عليهما السلام وأخبره الخبر وأمره بالهجرة، فبيت عليًا رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار.
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله} برد مكرهم عليهم، أو بمجازاتهم عليه، أو بمعاملة الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا.
{والله خَيْرُ الماكرين} إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره، وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} هو قول النضر بن الحارث، وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم، أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم، إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاءوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين، ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع أنفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصًا في باب البيان.
{إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} ما سطره الأولون من القصص.
{وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هذا أيضًا من كلام ذلك القائل أبلغ في الجحود. روي أنه لما قال النضر إن هذا إلا أساطير الأولين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك إنه كلام الله» فقال ذلك. والمعنى إن كان هذا حقًا منزلًا فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره، أو ائتنا بعذاب أليم سواه، والمراد منه التهكم وإظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلًا. وقرئ {الحق} بالرفع على أن {هُوَ} مبتدأ غير فصل، وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقًا بالوجه الذي يدعيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو تنزيله لا الحق مطلقًا لتجويزهم أن يكون مطابقًا للواقع غير منزل كأساطير الأولين.
{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} بيان لما كان الموجب لإِمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه، والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين، أو قولهم اللهم غفرانك، أو فرصة على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}
{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله} وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون.
{وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} وحالهم ذلك ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الهجرة وإحصارهم عام الحديبية.
{وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} مستحقين ولاية أمره مع شركهم، وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء.
{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره، وقيل الضميران {لِلَّهِ}.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالأكثر أن منهم من يعلم ويعاند، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم.
{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت} أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة، أو ما يضعون موضعها.
{إِلاَّ مُكَاء} صفيرًا فعال من مكا يمكو إذا صفر. وقرئ بالقصر كالبكا.
{وَتَصْدِيَةً} تصفيقًا تفعله من الصدا، أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء. وقرئ {صَلاَتِهِمْ} بالنصب على أنه الخبر المقدم، ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته. روي: أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون. وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي يخلطون عليه ويرون أنهم يصلون أيضًا.
{فَذُوقُواْ العذاب} يعني القتل والأسر يوم بدر، وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود: {ائتنا بِعَذَابِ}.
{بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} اعتقادًا وعملًا.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أموالهم لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلًا من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر، أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقية. أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا، والمراد ب {سَبِيلِ الله} دينه واتباع رسوله.
{فَسَيُنفِقُونَهَا} بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر، والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق أحد، ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن مساق الأول لبيان غرض الإِنفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد.
{ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} ندمًا وغمًا لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة.
{ثُمَّ يُغْلَبُونَ} آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالًا قبل ذلك.
{والذين كَفَرُواْ} أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم.
{إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} يساقون.
{لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} الكافر من المؤمن، أو الفساد من الصلاح. واللام متعلقة ب {يُحْشَرُونَ} أو {يُغْلَبُونَ} أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أنفقه المسلمون في نصرته، واللام متعلقة بقوله: {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب {لِيَمِيزَ} من التمييز وهو أبلغ من الميز.
{وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم، أو يضم إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه كمال الكانزين.
{فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ} كله.
{أولئك} إشارة إلى الخبيث لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين.
{هُمُ الخاسرون} الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم.
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني أبا سفيان وأصحابه والمعنى قل لأجلهم.
{إِن يَنتَهُواْ} عن معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام.
{يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} من ذنوبهم، وقرئ بالتاء والكاف على أنه خاطبهم و{يَغْفِرُ} على البناء للفاعل وهو الله تعالى.
{وَإِن يَعُودُواْ} إلى قتاله.
{فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأولين} الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك.
{وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} لا يوجد فيهم شرك.
{وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} وتضمحل عنهم الأديان الباطلة.
{فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر.
{فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم. وعن يعقوب {تعملون} بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإِسلام والإِخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإِيمان بصير، فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ} ولم ينتهوا.
{فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم.
{نِعْمَ المولى} لا يضيع من تول. اهـ.
{وَنِعْمَ النصير} لا يغلب من نصره. اهـ.